حصانات الحقيبة الدبلوماسية في القانون الدولي
المبحث الأول
أسس وشرعية حصانات الحقيبة الدبلوماسية في القانون الدولي
إن الحقيبة الدبلوماسية تمثل وسيلة هامة من وسائل الاتصال بين البعثات والقنصلية سواء فيما بينهم داخل إقليم الدولة المستقلة أو مع حكومة الدولة المرسلة أو مع البعثات التابعة لدولتهم الموجودة في إقليم دول أخر والعكس.ولم يكن موضوع الحقيبة الدبلوماسية والقنصلية مثار الاهتمام من جانب المشتغلين بالقانون الدولي في العصر الحديث فحسب وإنما يرجع الاهتمام بهذا الموضوع إلى فترات زمنية طويلة نظراً لأهمية الحقيبة الدبلوماسية في إدارة تلك الشئون، وكانت ممارسات الدول في هذا الشأن ركناً أساسياً لنشأة واستقرار القواعد العرفية التي تهدف إلى إضفاء الحماية للحقائب الدبلوماسية والقنصلية والتي انعكست فيما بعد في شكل قواعد مكتوبة تضمنتها العديد من الاتفاقيات الدولية الثنائية.
وأظهرت الدراسات اهتمام المجتمع الدولي بموضوع حماية المراسلات ووسائل الاتصال بالمبعوثين الدبلوماسيين بالخارج حيث ظهرت المطالبات بضرورة توفير وسيلة آمنة وسريعة ودون رقابة أو تفتيش للمراسلات التي ترسلها الدول إلى مبعوثيها الدبلوماسيين في الخارج، ويتمثل الركن الأساسي لتوفير حرية الاتصال في ضمان اتصال المبعوث الدبلوماسي بدولته بشكل سريع وكفالة حصانة رسائله بحيث لا يجوز الإطلاع عليها أو فحصه( ).
وأخيرا قد أرست اتفاقيات فينا الأربعة 1961، اتفاقية 1963، اتفاقية 1969، اتفاقية 1975 قواعد حماية الحقيبة الدبلوماسية، نكتفي فيها بتناول نتائج تلك الاتفاقيات وما انتهت إليه من إقرار لتلك القواعد.
1- اتفاقية فينا 1961:
نال موضوع حماية الحقيبة الدبلوماسية اهتماماً كبيراً خلال مرحلة الإعداد لهذه الاتفاقية وتباينت المواقف حول النص الخاص بحماية الحقيبة الدبلوماسية، وقد استهدفت المناقشات خلال مرحلة الأعمال التحضيرية إلى إقامة التوازن بين المصالح المتعارضة للدول لتوفير أقصى حماية ممكنة للحقيبة الدبلوماسية وتوفير أقصى سبل الحماية لمصالح الدول المستقبلة أو دول المرور من إساءة استخدام الحقيبة الدبلوماسية.
فمن ناحية ذهب بعض المشاركين إلى القول بضرورة منح الدول المستقبلة حق تفتيش الحقيبة الدبلوماسية طالما كانت هناك أسباب جدية للشك في استغلال الحقيبة الدبلوماسية بشكل سئ، والبعض الاخر من المشاركين تمسكوا بضرورة التوصل إلى حل لا يؤدي إلى إثارة مشاكل في التطبيق مع ضرورة المحافظة على حرمة الحقيبة الدبلوماسية.
وعليه فقد تقدمت بعض الدول بمقترح يسمح للدولة المستقبلة بالتصرف المباشر في حالة إساءة استخدام الحقيبة الدبلوماسية، وفي المقابل اقترحت فرنسا وجوب أن يتم تثبيت علامات على الحقيبة الدبلوماسية وان تتضمن الحقيبة فقط وثائق دبلوماسية وأشياء تتعلق بالعمل الوظيفي للبعثة مع جواز أن ترخص وزارة الخارجية بالدولة المستقبلة بفتح الحقيبة الدبلوماسية بحضور ممثل عن البعثة الدبلوماسية إذا كانت هناك أسباب جديدة خاصة يمكن أن ترتب الشك بأن الحقيبة يتم استخدامها في غير الأغراض المخصصة لها، وذهبت الولايات المتحدة إلى القول بضرورة تمييز الحقيبة الدبلوماسية مع السماح لسلطات الدولة المستقبلة بفتح الحقيبة الدبلوماسية بعد الحصول على إذن من وزارة الخارجية والبعثة الدبلوماسية المعنية متى كان للدولة المستقبلة أسباب جدية للاعتقاد أن الحقيبة الدبلوماسية تحتوي على أشياء مخالفة لأحكام القانون.
وعلى خلفية الموقفين المتقدمين لفرنسا والولايات المتحدة جاء مقترح الجمهورية العربية المتحدة برفض حق الدولة المستقبلة فتح الحقيبة الدبلوماسية لأي سبب من الأسباب وتحت أية ظروف وان كل ما تملكه الدولة المستقبلة هو رفض السماح بدخول الحقيبة الدبلوماسية( ).
وقد أسفرت كافة مناقشات الأعمال التحضيرية عن صياغة نهائية للقواعد الخاصة بكفالة الحماية الحقيبة الدبلوماسية من خلال المادة (27) ( ) من الاتفاقية والتي نصت على:-((
1- تسمح الدولة المعتمد لديها للبعثة الدبلوماسية بحرية الإتصال من أجل كافة الأغراض الرسمية وتحمي هذه الحرية. وللبعثة في إتصالها بحكومة الدولة المعتمدة وكذا بالبعثات الأخرى والقنصليات التابعة لهذه الدولة أينما توجد أن تستخدم كل وسائل الاتصال الملائمة ومن بينها الرسل الدبلوماسيين والرسائل الاصطلاحية أو المحررة بالشفرة. على أنه لا يجوز للبعثة أن تقيم أو تستعمل جهاز إرسال لاسلكي إلا بموافقة الدولة المعتمد لديها.
2- للمراسلات الرسمية للبعثة الدبلوماسية حرمة مصونة. وتشمل عبارة المراسلات الرسمية كافة المراسلات الخاصة بالبعثة ومهامها.
3- الحقيبة الدبلوماسية لا يجوز فتحها أو حجزها.
4- العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية يجب أن تحمل علامات خارجية ظاهرة تدل على صفتها، ولا يجوز أن تحوي سوى وثائق دبلوماسية أو أشياء للاستعمال الرسمي .
5- الرسول الدبلوماسي، الذي يجب أن يكون حام ً لا لمستند رسمي يدل على صفته
ويحدد عدد العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية، يكون أثناء قيامه بمهامه في حماية الدولة المعتمد لديها. وهو يتمتع بالحصانة الشخصية ولا يجوز إخضاعه لأي إجراء من إجراءات القبض أو الحجز.))
وقد أرست المادة المذكورة كمبدأ عام عدم جواز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو احتجازها وعليه فتلتزم الدولة المستقبلة أو دولة المرور بضمان سلامة الحقيبة الدبلوماسية وسرعة تسهيل نقلها وعدم تأخير ذلك دون مقتضى( ).
وقد رأى البعض أن هذه الفقرة جاءت مغايرة لوضع الحقيبة الدبلوماسية طبقا لما كان هو مستقر عليه العمل في العرف الدولي، حيث انها لم تتضمن حكما واضحا ليوضح ما يجب اتخاذه في حالة الشك لدى الدولة المستقبلة حول محتويات الحقيبة الدبلوماسية على غير ما كان هو مستقر عليه في العمل الدولي كقاعدة عرفية دولية بحق الدولة المستقلة من وقف الحقيبة ومنعها دخول إقليميها وإعادتها لمصدرها أو حقها في فحص الحقيبة في حضور ممثل عن البعثة الدبلوماسية.
ولم تكن الفقرات المختلفة للمادة 27 محل قبول من جميع الدول فقد شهد المجتمع الدولي تحفظ عدد من الدول على الأحكام الخاصة بالحصانات المقررة للحقيبة الدبلوماسية بموجب هذه المادة.
وقد أثارت صياغة المادة الثالثة والرابعة من هذه المادة التساؤل عن حقوق الدولة المستقبلة في حالة قيام الدولة المرسلة بإرسال أشياء أو مواد غير مسموح بها بواسطة الحقيبة الدبلوماسية وجاء رد فقهاء القانون الدولي بالقول أنه حتى إذا ما توفرت هذه الحالة لا يحق للدولة المستقبلة بأي حال من الأحوال تفتيش الحقيبة الدبلوماسية( ). هذا وقد اختلفت الآراء والتساؤلات والردود عليها بالنسبة لصياغة المادة الرابعة – وهي ليست معرض بحثنا الماثل( ).
2- اتفاقية فينا 1963:
تناولت مناقشات أعضاء لجنة القانون الدولي للحصانات التي يجب أن تتمتع بها الحقيبة القنصلية بين معارض ومؤيد، فمن ناحية أولى ذهب جانب من اعضاء اللجنة إلى القول بعدم الحاجة إلى تضمين مشروع الاتفاقية نصا خاصا بالحقيبة القنصلية حيث لم تجر العادة على استخدام مصطلح الحقيبة القنصلية مثلما استقر على ذلك العرف والاتفاقيات الدولية بشأن الحقيبة الدبلوماسية كما أن البعثات القنصلية ليست في حاجة إلى استخدامها كوسيلة من وسائل الاتصال بدولة المرسلة مثلما هو الحال بالنسبة للحقيبة الدبلوماسية وأخيراً فإن احتمالات إساءة استخدام الحقيبة القنصلية ستكون أكثر بكثير إذا ما قارنا ذلك بالحقيبة الدبلوماسية وأضاف بعض أعضاء اللجنة من المؤيدين لهذا الاتجاه أن التشريعات أو التعليمات الداخلية لم تتضمن الإشارة بأي حال من الأحوال إلى الحقيبة القنصلية وان القول بتمتع الحقيبة القنصلية بذات الحماية المقررة للحقيبة الدبلوماسية يعد أمرا يحمل تجاوزا ملحوظاً ولا يتناسب مع طبيعة الوظيفة القنصلية علاوة على ذلك فإن تضمين بعض الاتفاقيات التي تنظم العلاقات القنصلية تنظيما خاصا بالحقيبة القنصلية لا يمكن أن يشكل عرفا دوليا يعتد به، ومن ناحية أخرى رأى البعض وجوب تضمين مشروع الاتفاقية نصا واضحا وصريحا وان يكون مطابقا لنص المادة 25 من مشروع اتفاقية 1961.
وانتهت الاتفاقية في مادته (35 ) إلى إقرار حق البعثات القنصلية في استعمال الحقيبة القنصلية وقررت عدم جواز فتحها أو احتجازها حيث تتمتع بذات الحماية المقررة للحقيبة الدبلوماسية، وقد اشترطت شرطيا لذلك وهما أن تحمل الحقيبة القنصلية علامات خارجية تدل على انها حقيبة قنصلية، كما يجب أن تكون مكونات الحقيبة القنصلية وثائق ومواد تتعلق بالعمل القنصلي للبعثة القنصلية( ). كما توسعت هذه المادة في حقوق وسلطات الدولة المستقبلة إزاء الحقيبة القنصلية في حالة الاشتباه في محتويات الحقيبة حيث سمحت للدولة المستقبلة بان تطلب فتح وتفتيش الحقيبة القنصلية إذا توافر لها أسباب جدية للاعتقاد بأنها تحتوي على أشياء غير مخصصة للاستخدام الرسمي للبعثة وذلك في حضور مندوب عن البعثة القنصلية فإذا لم توافق البعثة القنصلية على هذا الطلب يجوز للدولة المستقبلة أن تطلب إعادة الحقيبة إلى مصدرها ولا يجوز لها حجز الحقيبة القنصلية بأي حال من الأحوال.
3- اتفاقية فينا 1969:
طرح موضوع استخدام البعثة الخاصة للحقيبة الدبلوماسية نفسه على مناقشات أعضاء لجنة القانون الدولي عن إعداد مشروع الاتفاقية المعنية بالبعثات الدبلوماسية الخاصة وقد أوضح أعضاء اللجنة أهمية معالجة هذا الموضوع في حالة عدم وجود بعثة دبلوماسية دائمة معتمدة لدى الدولة المستقبلة للبعثات الخاصة وقد جاء المشروع الأول للاتفاقية ليقرر حق البعثة الخاصة في إرسال الحقيبة من خلال حامل مؤقت لتوفير الاتصال مع الدولة المرسلة.
وانتهت أعمال اللجنة إلى صياغة المادة 28 من الاتفاقية حيث قررت حق البعثة الخاصة في استخدام الحقيبة الدبلوماسية وقررت صراحة عدم جواز فتح الحقيبة الدبلوماسية المتعلقة بالبعثة الخاصة أو حجزها وتطلب الفقرة الخامسة وجوب أن تحمل الطرود التي تتألف منها حقيبة البعثة الخاصة علامات خارجية مرئية تدل على طبيعتها وقد وضعت هذه المادة قيدا واضحا يتمثل في عدم جواز أن تحتوي الحقيبة المتعلقة بالبعثة الخاصة إلا على الوثائق أو الأشياء المعدة لاستعمال البعثة الرسمي( ).
4- اتفاقية 1975:
قررت هذه الاتفاقية بشكل صريح حق البعثات المعتمدة لدى المنظمات الدولية في استخدام الحقيبة الدبلوماسية كوسيلة اتصال مع الدول المرسلة لها، ومن المستقر عليه العمل في الممارسات الدولية تمتع البعثات المعتمدة ووفود الدول المشاركة في أعمال المنظمات الدولية بالحصانات الدبلوماسية بما في ذلك الحصانة المقررة للحقيبة الدبلوماسية.
وقد كفلت المادة 27 من هذه الاتفاقية الحصانة للحقيبة الدبلوماسية للبعثات المعتمدة لدى المنظمات الدولية حيث قررت أن لهذه البعثات الحق في الاتصال باية طريقة كانت بحكومة الدولة المرسلة أو البعثات الدبلوماسية الدائمة أو المؤقتة أو البعثات القنصلية التابعة للدول المرسلة سواء الموجودون على إقليم الدولة المستقبلة أو خارجها ويشمل ذلك الحق في الاتصال عن طريق استخدام الحقيبة الدبلوماسية وقد كفلت ذات المادة الحماية الكاملة للحقيبة طالما كانت تستخدم لأغراض رسمية ووظيفية ولا يجوز حجز أو فتح الحقيبة الدبلوماسية مع ضرورة أن يتم تمييز هذه الحقيبة بإشارة خارجية توضح طبيعتها..
كما نصت المادة (58) من الاتفاقية على تمتع اعضاء البعثات المعتمدة لدى المنظمات الدولية بالحماية ولا يجوز حجزهم أو اعتقالهم.
والخلاصة أن المجتمع الدولي وضع حماية المراسلات ووسائل الاتصال وعلى رأسها الحقيبة الدبلوماسية الخاصة بالمبعوثين الدبلوماسيين بالخارج – نظرا للمطالبات بضرورة توفير وسيلة آمنة وسريعة ودون رقابة أو تفتيش للمراسلات التي ترسلها الدول إلى مبعوثيها الدبلوماسيين في الخارج- حيث يتمثل الركن الأساسي لتوفير حرية الاتصال في ضمان اتصال المبعوث الدبلوماسي بدولته بشكل سريع وكفالة حصانة رسائله بحيث لا يجوز الإطلاع عليها أو فحصه( ).
المبحث الثاني
الحصانات المقررة للحقيبة الدبلوماسية
نلقي الضوء في هذا المبحث على الحصانات التي أقرتها قواعد 1989 للحقيبة الدبلوماسية حيث اتجهت لجنة القانون الدولي الواضعة لتلك القواعد إلى الإبقاء على الحصانات التي كفلتها الاتفاقيات الأربعة وعليه فقد رأت المجموعة العمل ضرورة استمرار تمتع الحقيبة الدبلوماسية بالحصانات المقررة لها سواء مصحوبة بحامل ام لا( ). ونعرض لتلك المباحث من خلال تعرضنا لمواد قواعد 1989 التي تضمنت الحصانات الممنوحة للحقيبة الدبلوماسية، وذلك على النحو التالي:
المادة (4) من قواعد 1989 قررت التزام الدول المستقبلة بحماية وسائل الاتصال الرسمية للدول المرسلة والتي تتم من خلال الحقائب الدبلوماسية، كما ألزمت الفقرة الثانية من هذه المادة دولة المرور بان تحمي الاتصالات الرسمية للدولة المرسلة وأن تكفل لها الحرية والحماية كالتزام الدول المستقبلة.
المادة (6) قررت أحكام عدم التمييز والمعاملة بالمثل بين الدول المعنية عند تطبيق قواعد 1989 حيث أكدت هذه المادة على عدم تمييز الدول المستقبلة أو دول المرور بين الدول المرسلة، كما أوضحت المادة عدم تحقق التمييز بين الدول في حالتين: الاولى عند تطبيق الدول المستقبلة أو دول المرور قواعد 1989 حرفيا نتيجة تطبيق الدولة أو الدول المرسلة ذات القواعد في علاقتها بالحقائب الدبلوماسية الخاصة بالدول المستقبلة أو دول المرور حرفياً، والحالة الثانية تتمثل في قيام الدول المستقبلة أو دول المرور بتوفير معاملة أفضل للحقائب الدبلوماسية الخاصة ببعض الدول المرسلة عما هو مقرر بموجب قواعد 1989.
المادة (27) من قواعد 1989 نصت على التزام الدول المستقبلة ودول المرور بتسهيل وضمان وصول الحقيبة الدبلوماسية على وجه السرعة وان تضمن عدم تأخر وصول الحقيبة الدبلوماسية إلى الجهة المنشودة أو إعاقتها نتيجة إتباع بعض المتطلبات الفنية، ويسري هذا الالتزام في حق الدول المستقبلة ودول المرور سواء أكانت الحقيبة مصحوبة أم غير مصحوبة بحامل لها أو حتى في حالة تكليف قائدي الطائرات أو السفن بهذه المهمة أو يتم نقلها عن طريق البريد أو أية وسيلة أخرى من وسائل النقل وقد رأت لجنة القانون الدولي أن تأتي صياغة هذه المادة بأكبر قدر من الإيجاز من العمومية دون تعداد الامتيازات أو التسهيلات التي يمكن للدول المستقبلة أو دول المرور كفالتها للحقيبة الدبلوماسية.
المادة (28) من قواعد 1989 قررت صراحة حرمة الحقيبة الدبلوماسية أينما كان مكانها ولا يجوز فتحها أو حجزها كما تستثني من الفحص والتفتيش سواء بشكل مباشر أو من خلال الأجهزة الالكترونية أو الالآت التقنية الأخرى( ).
وقد اعتبرت لجنة القانون الدولي هذه المادة هي المادة الأساسية من بين قواعد 1989 ويجب أن تنطبق في جميع الأحوال سواء أكانت الحقيبة الدبلوماسية مصحوبة بحامل لها ام غير مصحوبة به ويعد أهم ما جاءت به هذه المادة هو التأكيد على ما قررته أحكام الاتفاقيات الأربع وما استقر عليه العمل والعرف الدوليين لقاعدة عدم جواز فتح الحقيبة الدبلوماسية دون الحصول على الموافقة المسبقة للدولة المرسلة باعتبار ذلك ركنا أساسيا نحو حماية الحقيبة الدبلوماسية واحترام الطبيعة السرية لمحتوياتها.
علاوة على ذلك أكدت هذه المادة على القاعدة المستقرة من عدم جواز قيام الدولة المستقبلة أو دولة المرور حسب الأحوال من احتجاز الحقيبة الدبلوماسية، حيث إن السماح بمثل هذا الإجراء يتعارض صراحة مع مبدأ حرية الاتصال عن طريق وسائل الاتصال الدبلوماسية، كما أن السماح باحتجاز الحقيبة ولو فترة قصيرة يجعل الحقيبة تحت سيطرة الدول المستقبلة أو دولة المرور مما قد يعني إثارة الشك حول مدى إطلاع هذه الدول على محتويات الحقيبة، الأمر الذي يتعارض مع طريقة المعاملة الواجب احترامها مع الحقيبة الدبلوماسية بما يضمن الطابع السري لمحتوياتها.
ومما لا شك فيه أن السماح باحتجاز الحقيبة سوف يؤدي حتما إلى تأخير وصول الحقيبة إلى وجهتها المنشودة علاوة على تعريضها لبعض المخاطر بما لا يتفق مع التزام الدول المستقبلة أو دول المرور بالمحافظة على وضع الحقيبة في جميع الأوقات وضمان عدم إعاقتها خلال مسيرتها.
المادة (29) من قواعد 1989 التزام الدول المستقبلة ودول المرور طبقا للقوانين واللوائح التي تطبقها بالسماح بدخول أو مرور أو خروج الحقيبة الدبلوماسية من أراضيها وأن تكفل لها إعفاء من دفع الرسوم الجمركية أو الضرائب أو أية تكاليف حكومية أخرى تلك الرسوم الخاصة بتخزين الحقيبة أو تقديم أية خدمات تتعلق بها، وتعد هذه المادة استحداثا لما جاءت به الاتفاقيات الأربع والتي لم تشر أي منها إلى مثل هذا الامتياز للحقيبة الدبلوماسية.
المادة (30) من قواعد 1989 تناولت حماية الحقيبة الدبلوماسية في حالة القوة القاهرة والظروف الاستثنائية، وطبقا لهذه المادة فإذا فقد حامل الحقيبة أو قائد الطائرة أو السفينة أو احد أعضاء طاقمها السيطرة على الحقيبة الدبلوماسية فعلى الدولة المستقبلة أو دولة المرور أن تقوم بإخطار الدولة المرسلة بالوضع وأن تتخذ الإجراءات المناسبة بما يكفل الحماية والسلامة للحقيبة الدبلوماسية إلى أن تعود الحقيبة إلى سيطرة الدولة المرسلة، وذا أدت القوة القاهرة أو الظروف الاستثنائية إلى تواجد حامل الحقيبة أو الحقيبة ذاتها إن لم تكن بصحبة حامل لها على إقليم دولة لم يكن من المخطط تواجدها عليها كدولة مستقلة أو دولة المرور فعلى هذه الدولة أن تلتزم بأحكام هذه القواعد وان تكفل كافة الامتيازات والحصانات التي قررتها قواعد 1989 للحقيبة الدبلوماسية وحاملها وان تضمن خروج الحقيبة من إقليمها ووضعها تحت سيطرة الدولة المرسلة في أقرب فرصة ممكنة( ).
المادة (31) من قواعد 1989 عالجت الحماية الواجب توافرها بالنسبة لحالة إرسال حقيبة دبلوماسية للبعثة المعتمدة لدى منظمة دولية أو تابعة لوفد مشارك في اجتماعات هذه المنظمة بينما لا تعترف دولة المقر بالدولة المرسلة، فقد نصت صراحة على ضمان دولة المقر للحصانات المقررة للحقيبة الدبلوماسية وكفالة كافة التسهيلات والمزايا والحصانات لحاملها وبغض النظر عن اعتراف دولة المقر بالدولة المرسلة من عدمه وبغض النظر عما إذا كانت هذه الدول تتبادل العلاقات الدبلوماسية أو القنصلية فيما بينها ام لا.
ونخلص من ذلك العرض السريع لبعض مواد قواعد 1989 والخاصة بالحماية المقررة للحقيبة الدبلوماسية أن تلك الحصانات هي:
1- التزام الدول المستقبلة ودول المرور بحماية وسائل الاتصال الرسمية للدول المرسلة والتي تتم من خلال الحقائب الدبلوماسية.
2- عدم تمييز الدول المستقبلة أو دول المرور بين الدول المرسلة
3- التزام الدول المستقبلة ودول المرور بتسهيل وضمان وصول الحقيبة الدبلوماسية على وجه السرعة وان تضمن عدم تأخر وصول الحقيبة الدبلوماسية إلى الجهة المنشودة أو إعاقتها نتيجة إتباع بعض المتطلبات الفنية.
4- حرمة الحقيبة الدبلوماسية أينما كان مكانها ولا يجوز فتحها أو حجزها كما تستثني من الفحص والتفتيش سواء بشكل مباشر أو من خلال الأجهزة الالكترونية أو الالآت التقنية الأخرى
5- التزام الدول المستقبلة ودول المرور طبقا للقوانين واللوائح التي تطبقها بالسماح بدخول أو مرور أو خروج الحقيبة الدبلوماسية من أراضيها وأن تكفل لها إعفاء من دفع الرسوم الجمركية أو الضرائب أو أية تكاليف حكومية أخرى تلك الرسوم الخاصة بتخزين الحقيبة أو تقديم أية خدمات تتعلق بها
6- في حالة القوة القاهرة والظروف الاستثنائية، حمايةً للحقيبة الدبلوماسية ففي حال فقد حامل الحقيبة أو قائد الطائرة أو السفينة أو احد أعضاء طاقمها السيطرة على الحقيبة الدبلوماسية فعلى الدولة المستقبلة أو دولة المرور أن تقوم بإخطار الدولة المرسلة بالوضع وأن تتخذ الإجراءات المناسبة بما يكفل الحماية والسلامة للحقيبة الدبلوماسية إلى أن تعود الحقيبة إلى سيطرة الدولة المرسلة.
7- ضمان دولة المقر للحصانات المقررة للحقيبة الدبلوماسية وكفالة كافة التسهيلات والمزايا والحصانات لحاملها وبغض النظر عن اعتراف دولة المقر بالدولة المرسلة من عدمه وبغض النظر عما إذا كانت هذه الدول تتبادل العلاقات الدبلوماسية أو القنصلية فيما بينها ام لا.
فإذا كانت هذه هي الحصانات والامتيازات التي تمتع بها الحقيبة الدبلوماسية فإننا نتناول في المبحث الثالث والأخير بعض التطبيقات العملية لاستخدام وحماية الحقيبة الدبلوماسية.
المبحث الثالث
بعض التطبيقات العملية للحقيبة الدبلوماسية
من خلال هذا المبحث نرصد بعض ممارسات الدول في كيفية التعامل مع الحقيبة الدبلوماسية في ضوء القواعد الدولية التي تقرر لها الحماية مع التركيز على الممارسات الدولية بالنسبة لإساءة استخدام الحقيبة الدبلوماسية وموقف الدول من التعامل مع مثل هذه الحالات، ومنها:1- قدم السفير الفرنسي في واشنطن اعتذارا رسميا في عام 1962 إلى وزير خارجة الولايات المتحدة بعد أن ثبت لدى المحكمة الاتحادية في مدينة نيويورك أن البريد الدبلوماسي (من خلال الحقيبة الدبلوماسية) المرسل إلى السفارة الفرنسية قد استخدم ستارا لتهريب أفلام سينمائية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والإخلال بالنظام الجمركي( ).
2- قامت السلطات المصرية في عام 1974 بضبط أحد أعضاء سفارة الكنغو بالقاهرة وهو حامل للحقيبة الدبلوماسية وبداخلها كمية من المخدر أثناء دخوله الإقليم المصري من خلال ميناء القاهرة الجوي.
3- قامت السلطات البريطانية القبض على أحد العاملين بالبعثة الدبلوماسية للمغرب بباكستان عند وصوله إلى احد المطارات البريطانية حاملا حقيبة دبلوماسية موجهة إلى سفارة المغرب بلندن وبها مخدر الماريجونا( ).
4- وفي المملكة المتحدة حاولت بعثة دبلوماسية إرسال أحد المسئولين السابقين من بريطانيا إلى الخارج بعد أن تم تخديره ووضعه في صندوق، وقد أفادت البعثة الدبلوماسية لممثل السلطات البريطانية باحد مطارات المملكة المتحدة أن هذا الصندوق يعد حقيبة دبلوماسية ومع ذلك فقد اشتبهت السلطات البريطانية في الصندوق بعد أن انبعث منه رائحة مادة التخدير وقامت بفتحه بعد أن رفضت الاعتراف له بوصف الحقيبة الدبلوماسية نتيجة عدم وجود ختم رسمي على الصندوق ولم يكتب عليه بشكل ظاهر ما يفيد انه حقيبة دبلوماسية على خلاف ما أدعت به البعثة الدبلوماسية النيجيرية( ).
5- قامت البعثة الدبلوماسية المصرية بروما بإرسال صندوق كبير للشحن على الطائرة المصرية المتجهة إلى القاهرة، وقد تم تثبيت عبارة حقيبة دبلوماسية على الصندوق وفي أثناء الشحن صدر صوت من داخل الصندوق وقد برر الشخص المصاحب للصندوق أن الصوت الصادر من الصندوق بسبب وجود آلة موسيقية بداخله وأسفر النقاش الدائر بين الشخص المصاحب للحقيبة الدبلوماسية والسلطات في مطار روما عن قيام هذه السلطات بفتح الصندوق حيث وجدت بداخله أحد الأشخاص الإسرائيليين الذي كان يتجسس على مصر لحساب إسرائيل وعلى اثر ذلك أعلنت وزارة الخارجية الايطالية أن السكرتير الأول بالسفارة شخص غير مرغوب فيه.
6- في عام 2007 أعلنت وزارة الخارجية الامريكية انتهاك اريتريا لأحكام اتفاقيات 1961، 1963 وتمثلت إحدى هذه الانتهاكات في عدم كفالة الحماية المقررة للحقيبة الدبلوماسية حسبما قررته الاتفاقيات المذكورة،وفر الرد على هذه الادعاءات عبر ممثل اريتريا بان دولته لم تنتهك الحصانة المقررة للحقيبة الدبلوماسية ولم تحتجزها طبقا لما إدعاه المسئول الأمريكي وأوضحت اريتريا أن الخلاف الدائر بين دولته والولايات المتحدة يتمثل في قيام هذه الاخيرة بإرسال صندوق كبير الحجم ولم تثبت عليه اية علامات ظاهرة تفيد انه حقيبة دبلوماسية، وان كل ما فعلته السلطات المختصة بمطار أسمرا هو أنها طلبت من بعثة الولايات المتحدة فتح الصندوق في حضور ممثل عن البعثة وقوبل هذا الطلب بالرفض من جانب المسئولين ببعثة الولايات المتحدة وعليه فقد طلبت السلطات الاريترية إعادة الصندوق إلى مصدره وان ما حدث لم يؤثر إطلاقا على ما تقوم به الولايات المتحدة من إرسال مئات الصناديق كبيرة الحجم إلى أسمرا والتي تتضمن وسائل اتصال كبيرة الحجم تعمل على تثبيتها بمقر البعثة الدبلوماسية دون الحصول على موافقة السلطات الاريترية على النحو الذي تقضي به اتفاقيات العلاقات الدبلوماسية والقنصلية التي تشير اليها وزارة الخارجية الأمريكية. وقوبل هذا التصرف بتصرف مضاد من سلطات الولايات المتحدة الأمريكية حيث تعرض سفير اريتريا عند دخوله الولايات المتحدة للحجز وتم تجريده من الحقيبة التي يحملها وتم فتحها وتفتيشها دون الحصول على إذن مسبق منه ودون حضوره إجراءات التفتيش.
7- أعلنت سلطات مطار القاهرة الدولي في 23مارس2011 حالة الطوارىء بصالة كبار الزوار أثناء مغادرة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، القاهرة فى طريقه إلى الجزائر على متن طائرة خاصة، لفحص تمثالين فرعونيين كانا بصحبته . واكتشفت الخدمة المعينة على جهاز الكشف بالأشعة -أثناء إنهاء إجراءات دخول الحقائب الخاصة بالوزير الروسى- وجود جسم معتم داخل الحقائب وعند تفتيشها عثر على تمثالين فرعونيين تم استدعاء رجال الوحدة الأثرية بالمطار للكشف على التمثالين وتبين أنهما مقلدان ولا يخضعان لقانون الآثار، وتم تحرير مذكرة بالواقعة والسماح للوزير الروسى بالسفر ومعه التمثالان، جدير بالذكر أن هناك تعليمات مشددة من وحدة الآثار بتفتيش جميع حقائب المغادرين والكشف عن الحقائب الدبلوماسية في تلك الفترة من الثورة المصرية خوفا من تهريب أي آثار من التي فقدت في الآونة الأخيرة.
تعليقات
إرسال تعليق